آخر الأخبار
اخبارك في موعدها

السودان في الأمم المتحدة: خطاب كامل إدريس بين الصرخة والتحليل العميق

شبكة الوريفة الإخبارية

✍️ بقلم: نصر الدين العقابي

في 25 سبتمبر 2025، وقف رئيس وزراء السودان، الدكتور كامل الطيب إدريس، على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليستعرض أمام العالم أزمة وطنية كبرى ومشروع أمل متجدد في نفس الوقت. كان الخطاب أكثر من مجرد كلمات دبلوماسية، بل كان صرخة شعب بأسره، رسالة لكل من يشاهد، يسمع، أو حتى يغض الطرف.

الخطاب لم يبدأ بمعاناة السودان فحسب، بل بدأ بالاعتراف بالدور الدولي، وهو ما يعكس وعيًا دبلوماسيًا عميقًا. فقد هنأ إدريس رئيسة الجمعية العامة والسيد الأمين العام للأمم المتحدة، مؤكدًا تقديره لمبادراتهم من أجل السلام والعدالة، وقال:
“أهنئ السيدة أنالينا بيربوك على انتخابها رئيساً للجمعية العامة، كما أهنئ السيد فيلمون يانغ على رئاسته السابقة، ونقدر جهود الأمين العام للأمم المتحدة لتحقيق السلام والعدل.”

بداية قوية: تاريخ وحاضر السودان

ثم انتقل إدريس إلى وصف السودان، ليس كما يراه العالم في الأخبار، بل كما يعيشه:
“I stand before you, from the banks of the Nile — from the land where history runs as deep as the river itself, from where the deserts know the footprints of our ancient kingdoms and where in this present hour, the dust still carries the scent of war. Sudan has bled. Our villages and cities have fallen silent under the shadow of unprecedented war, unprecedented invasion; our fields have withered; our children have known fear before they have known the fullness of life.”

هنا، استخدم إدريس قوة الصور الذهنية ليوصل للمتلقي شعور الأرض المتألمة والشعب المعذب، وأعاد ربط التاريخ العظيم للأمة بمعاناتها الحالية، مؤكّدًا أن الألم حاضر لكن الأمل لم يمت.

نبض الأمل رغم الجراح

رغم ما تعانيه السودان، كان هناك نبض فريد من نوعه يرفض الانطفاء، وظهر هذا جليًا في كلماته:
“And yet, and yet amid the ashes, there is a unique pulse that refuses to die. It beats in the refugee’s quiet prayer, in the farmer who plants though he may never reap and in the mother who sings her child to sleep beneath an open sky.”

من هذا النبض، صاغ إدريس رسالة الأمل والوحدة والسلام:
“أملٌ يتجدد في وحدتنا وقوة تكمن في سلمنا.”

هذا الجزء من الخطاب ليس فقط رسالة رمزية، بل أداة قوية للسياسة الإنسانية والدبلوماسية، إذ يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية حماية هذا النبض الحي.

مواجهة التحديات الوجودية

أوضح إدريس أن السودان يواجه تهديدات وجودية، نتيجة الأعمال الممنهجة لمليشيات الدعم السريع، ونهب الموارد، وتغيير الديمغرافيا بالقوة:
“لقد تعرض شعب السودان خلال الأعوام الثلاث الماضية إلى مخاطر وتهديدات وجودية بفعل جرائم مليشيا الدعم السريع المتمردة، إذ أُجبر السودانيون على الخروج من ديارهم ووطنهم تحت وطأة القتل الممنهج والتعذيب والنهب والاغتصاب والإذلال والتدمير المتوحش لكل مقومات الحياة.”

هنا يضع إدريس المجتمع الدولي أمام حقيقة صادمة: ما يحدث ليس مجرد نزاع مسلح داخلي، بل مشروع متكامل للسيطرة ونهب السودان.

السيادة والخارطة الوطنية

ثم انتقل إدريس لتأكيد أولوية سيادة الدولة ومؤسساتها الوطنية، ربطًا بالانتقال المدني والتحول الديمقراطي:
“إن الحفاظ على سيادة الدولة ومؤسساتها الوطنية الراسخة أولوية قصوى وقضية وجودية للشعب السوداني.”

هذا الجزء من الخطاب رسالة لكل القوى الداخلية والخارجية: سيادة السودان غير قابلة للمساومة، وأي تدخل خارجي أو دعم للمليشيات هو تهديد للوجود نفسه.

الالتزام بحقوق الإنسان والتنمية

تحدث إدريس أيضًا عن الجانب الحقوقي والاقتصادي، مشددًا على أن العقوبات الأحادية والسياسات الدولية غير المتوازنة تهدد حياة المدنيين وحقوقهم:
“على الرغم من الإجماع الدولي على عدم مشروعية العقوبات أحادية الجانب، تستمر هذه العقوبات، مما يهدد حقوق الشعوب في التنمية والرفاهية.”

هنا يظهر خطاب إدريس مزيجًا فريدًا بين السياسة والعدالة الإنسانية، حيث لم يكتفِ بالدفاع عن الوطن، بل سلط الضوء على تأثير القوانين الدولية على حياة الإنسان اليومي.

الالتزام بالسلام والدولة المدنية

أوضح إدريس خطوات حكومة الأمل المدنية نحو السلام والتحول الديمقراطي:

وقف إطلاق النار وانسحاب المليشيات.

رفع الحصار عن مدينة الفاشر وما حولها.

عودة آمنة للنازحين واللاجئين.

تشكيل حكومة مدنية من تكنوقراط لإدارة الحوار الوطني والانتخابات الشاملة.

وأكد أن السلام لا يتحقق إلا بمشاركة جميع القوى السودانية، بعيدًا عن التدخلات الأجنبية أو الحلول الجزئية، وهو دعوة صريحة للمجتمع الدولي لدعم الحلول الوطنية.

البعد الإقليمي والدولي

لم ينس إدريس الوضع الإقليمي، حيث أشار إلى التصعيد في فلسطين وغزة، مؤكدًا أن السلام والاستقرار في المنطقة مرتبط بعدالة حل القضية الفلسطينية. كما دان الهجوم الإسرائيلي على قطر، مؤكدًا ضرورة احترام السيادة.
وأبرز أن السيادة والسلام هما خطوط حمراء للسودان:
“We are fully supportive of peace and security, human rights and Sustainable Development Goals, without which there will be no lasting peace. However, our sovereignty and territorial integrity are red lines. We will never give up, promise we will never give up.”

ختام الخطاب: صرخة كرامة

في ختام خطابه، اختزل إدريس كل معاني الخطاب في إعلان حازم للكرامة والسيادة:
“سأبذل كل ما في وسعي للانتصار لكرامة الشعب السوداني وعزته ولن نقبل أي إملاءات تتعارض مع سيادة بلادنا وأمنها القومي وملكيتها الوطنية في تحقيق السلام العادل.”

هذه الكلمات ليست مجرد وعد سياسي، بل تصريح وجودي لشعب بأكمله، يرفض الخضوع، ويصر على أن السودان سيظل حاضرًا في التاريخ والحياة، مهما كانت التحديات.

التحليل: قوة الخطاب وصوته

خطاب إدريس يمثل نموذجًا للقيادة الوطنية والدبلوماسية الأخلاقية، حيث:

1. جمع بين الألم الواقعي والرمزية الوطنية.

2. واجه التحديات الدولية والداخلية بصراحة دون مجاملة.

3. قدم رسالة واضحة للمجتمع الدولي: صمتكم أو التخاذل شريك في الجريمة، ودعمكم للسودان ضرورة أخلاقية وسياسية.

4. سلط الضوء على الإنسان قبل السياسة، عبر صور حية للمعاناة والأمل.

الخلاصة: صرخة وطن باقٍ

خطاب كامل إدريس ليس مجرد وثيقة دبلوماسية، بل صرخة شعب بأكمله: تحذر العالم، تشد من عزيمة الداخل، وتؤكد أن السودان لن يُهزم، مهما اشتدت العواصف. كل فقرة من خطابه تحكي قصة شعب يتحدى، يقاوم، ويأمل. إنه درس في الوطنية، الكرامة، والصمود أمام العالم كله.

شاركـ علـى
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.