حاورته سبناشعبان
المقدمة:
في وقت الضرورة، يصبح المسجد مأوى للمسلمين. في هذه اللحظات الصعبة، التي يعاني فيها الكثير من الناس من ويلات الحروب والنزوح، يظهر المسجد كملاذ آمن للمحتاجين. ولقد لعب المسجد دورًا عظيمًا في إيواء النازحين الذين فروا من مناطق الحرب في الخرطوم ومدني، وكذلك أولئك الذين جاءوا من سنجة، سنار، والدندر، في موجات نزوح متتالية. ومن خلال هذا الحوار مع الإمام والخطيب بجامع السوق الشعبي بمدينة القضارف الشيخ جمال صالح محمد عمر ، نستعرض كيف استجاب المسجد لهذا التحدي، وأثر ذلك على المجتمعات المحلية والنازحين.
في البدء عرفنا بنفسك؟
انا الشيخ جمال صالح محمد عمر من ابناء مدينة القضارف اسكن حي ود الكبير تدرجت في التعليم في مجال العلوم الاسلامية من الخلاوي الداخلية بكسلا في العام ٢٠١٠م ومنها التحقت بمعهد ابن كثير للعلوم الشرعية .
إمامنا الكريم، في البداية، نود أن نعرف كيف لعب مسجد السوق الشعبي دورًا في إيواء النازحين؟
الإمام:
في البداية، أود أن أشير إلى أن المساجد في أوقات الأزمات تمثل ملاذًا للمسلمين. عندما بدأت موجات النزوح من الخرطوم ومدني، استقبلنا العديد من الأسر التي هربت من مناطق الصراع. واستنجدت بولاية و القضارف بحثاً عن الامان ، المسجد هنا لم يكن فقط مكانًا للصلاة، بل أصبح مركزً لتقديم الدعم الإنساني. فقد قمنا بتخصيص أماكن داخل المسجد لإيواء النازحين وتوفير لهم مستلزمات الحياة اليومية من غذاء وماء.
هل يمكن أن تحدثنا عن المشاريع التي تم تنفيذها من قبل لجنة الجامع لدعم النازحين؟
الإمام:
نعم، كانت هناك مشاريع عديدة. كان لدينا برنامج لتوزيع الوجبات السريعة على النازحين منذ اليوم الأول. وعملت اللجنة على توفير مخيمات صغيرة داخل المسجد لاستيعاب أكبر عدد من الأسر. كما قمنا بتوفير ملابس وأغطية بالتعاون مع فاعلي الخير. بفضل الله، كان التعاون ممتازًا من أهل المدينة والمتطوعين، مما جعل المسجد مركزًا حيويًا لتقديم المساعدات.
ومع هذا الدعم، كيف كانت المعاناة التي شهدها المسجد والنازحون؟
الإمام:
الحقيقة، ورغم الجهود الكبيرة التي بذلناها، فإن المعاناة كانت موجودة. فقد لاحظنا بعض السلوكيات غير اللائقة من بعض النازحين داخل المسجد، والتي تنم عن قلة الوعي وعدم احترام قدسية المكان. هذا كان يشكل تحديًا كبيرًا لنا. المسجد هو مكان للعبادة والطهارة، ومن غير المقبول أن يتم انتهاك هذه المبادئ في أي وقت. للأسف، لم نجد استجابة سريعة من الجهات المختصة لترحيل هؤلاء النازحين إلى دور إيواء ثابتة. الأمر أصبح مؤلمًا لنا وللمجتمع.
ما هو رأيك في التعامل مع هذه المشكلة؟ وهل ترى أن هناك حلولًا يمكن أن تكون فعالة؟
الإمام:
في الحقيقة، الحل يكمن في توفير أماكن إيواء ثابتة، بعيدة عن الأماكن التي تتميز بقدسيتها مثل المساجد. ينبغي أن تكون هناك استجابة سريعة من الجهات المعنية لتأمين أماكن بديلة ومستدامة للنازحين، حتى يظل المسجد مكانًا للعبادة وللأنشطة الدينية الأخرى. ندعو المسؤولين لتقديم المزيد من الدعم لهذه الأسر، وإنشاء مراكز إيواء مجهزة من أجل تحسين وضعهم المعيشي.
هل لديكم أي رسائل توجهها إلى الجهات المعنية والمجتمع المحلي في هذا السياق؟
الإمام:
رسالتي للجهات المعنية هي ضرورة التدخل الفوري لإيجاد حلول دائمة لهذه الأزمة. نحن نعلم أن الوضع صعب، لكن الأمل ما يزال قائمًا في أن نتمكن من تحسين الظروف للنازحين. أما المجتمع المحلي، فأود أن أشكرهم على تعاونهم الكبير، وأدعوهم للاستمرار في دعم هؤلاء النازحين بكل ما نستطيع. المعاناة التي يمر بها هؤلاء الأشخاص تتطلب منا جميعًا الوقوف بجانبهم بكل وسيلة ممكنة.
سمعنا أن لجنة الجامع لم تكتفِ فقط بتقديم الإيواء والطعام، بل امتد دورها لدعم بعض النازحين في أمور أخرى، مثل الزواج. هل يمكن أن تخبرنا عن هذه المبادرة؟
الإمام:
نعم، هذا صحيح. من بين المبادرات التي قامت بها لجنة الجامع، كانت هناك مبادرة لدعم الشباب النازحين الراغبين في الزواج. بعضهم فقد كل شيء بسبب الحرب، ولم يكن لديه أي إمكانية للزواج رغم رغبته الشديدة في الاستقرار وتكوين أسرة. لذلك، قررت اللجنة، بالتعاون مع أهل الخير، إقامة زيجات بصورة فردية، حيث تم توفير الدعم الكامل لهم من حيث المهر، مستلزمات الزواج، وبعض الاحتياجات الأساسية للحياة الزوجية. هذه المبادرة كانت بمثابة بارقة أمل للكثيرين، وساهمت في تخفيف معاناتهم وإعادة بعض الاستقرار لحياتهم، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها.
في ختام هذا اللقاء، هل لديك كلمة أخيرة تود توجيهها؟
الإمام:
كلمتي الأخيرة هي دعوة للرحمة والتكاتف. نحن نعيش في ظروف استثنائية تتطلب منا جميعًا أن نكون عونًا لبعضنا البعض. المساجد ستظل دومًا ملاذًا للمحتاجين، ولكن لا بد أن يكون هناك وعي واحترام لقدسيتها. كما أوجه ندائي للجهات المختصة بضرورة إيجاد حلول دائمة للنازحين، حتى يتمكنوا من العيش بكرامة في أماكن مهيأة لهم. وأخيرًا، أشكر كل من ساهم ودعم وساعد في تخفيف معاناة هؤلاء الناس، وأسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم.
خاتمة:
لقد أظهر جامع السوق الشعبي في مدينة القضارف مثالًا رائعًا في التضامن المجتمعي والاستجابة السريعة للأزمات. وبينما تظل المعاناة مستمرة، إلا أن المساجد ستظل دومًا مكانًا للأمل والرحمة، ونحن على أمل أن تجد السلطات المختصة حلولًا عاجلة لتحسين أوضاع النازحين، وتوفير لهم ما يلزم من مأوى وحياة كريمة.
كلمة المحرر:
لا يسعنا في ختام هذا الحوار إلا أن نشيد بالدور العظيم الذي قام به فضيلة الإمام منذ اللحظات الأولى لوصول النازحين إلى ولاية القضارف. فقد كان المسجد، الواقع داخل السوق الشعبي، وهو الموقف الرئيسي للبصات، أول محطة احتضنت مئات الأسر الفارة من ويلات الحرب. بفضل حكمة الإمام وقيادته، تحوَّل المسجد إلى مركز إنساني متكامل، لم يقتصر على الإيواء فقط، بل شمل تقديم المساعدات الغذائية، وتنظيم المبادرات الخيرية، وحتى دعم الشباب في بناء مستقبلهم من خلال تسهيل أمور الزواج.
إن الجهود التي بذلها الإمام، بالتعاون مع لجنة الجامع وأهل الخير، تعكس روح التكافل والتراحم التي يتميز بها المجتمع السوداني، وتؤكد أن المساجد ليست مجرد أماكن للعبادة، بل هي منارات للإنسانية. فله ولجميع من ساهم في هذه المبادرات كل الشكر والتقدير، ونسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم.