آخر الأخبار
اخبارك في موعدها

ذكريات كسلاوية

السينما كسلا .. أين تسهر هذا المساء ؟

بقلم مالك محمد أحمد

كسلا في ذلك الزمان ..
كان الطلبة والموظفون يأتون إلى بيوتهم بعد الظهيرة مع برنامج (عالم الرياضة) الذي كانت تبثه إذاعة أم درمان قبل نشرة الثالثة .. كان الناس يتحلقون حول الراديو وهو ينقل أخبار الرياضة من كل بقاع السودان . وكان المراسلون الرياضيون يقومون بتغطية النشاطات الرياضية في الأقاليم .. فمن كسلا هناك (عبد الجليل محمد عبد الجليل) و(محمد إبراهيم عجوز) ، و من الدويم (محمد عبد الماجد ) و من الحصاحيصا (مزمل يعقوب ) وغيرهم .

كان الناس ينتظرون الفقرة الأخيرة من البرنامج وعنوانها (التقرير اليومي عن دوري الدرجة الأولى) ، وكان (عبد الرحمن عبد الرسول) يسطر تلك الفقرة بلغة جزلة وسرد ممتع ، وتزداد متعة السرد في المباريات التي يخسر فيها فريقا الهلال والمريخ من أندية (الشنكتة) مثل (ود نوباوي) و(الزهرة) أيام (سيكا) و(قدورة) .

لا أزال أذكر مقدمة البرنامج وموسيقاها : (عاااالم الرياضة) ولا أزال أذكر مذيعي البرنامج : (محمد عباس سعد) و(محمد الفاتح السمؤال) و(محمد ورداني حمادة) وغيرهم.

بعد إنتهاء البرنامج يبدأ الناس في تناول وجبة الغداء.

كانت البيوت مفتوحة لكل الناس ، وكانت وجبة الغداء تجمع الأهل والجيران والضيوف .

كانت كل البيوت تأكل نفس الوجبة : كسرة ببامية مفروكة أو مطبوخة أو رجلة أو ملوخية أو بطاطس ، وعلى أحد أطراف الصينية صحن السلطة المكونة من العجور والجرجير والبصل والطماطم ، ثم (يحلون) بالموز أو البطيخ . بعدها يتناول الناس الشاي ثم ينصرفون إلى شؤونهم : بعضهم يذهب للتمرين في ميادين الأحياء والبعض يذهب لمشاهدة مباراة في إستاد كسلا وآخرون يذهبون لمشاهدة مباريات الروابط .. وفي الخريف كان الناس يذهبون إلى القاش.

والشمس تميل إلى المغيب ، كان العمال والتجار يعودون إلى بيوتهم .. كانوا يعودون في نفس الوقت الذي يأتي فيه بائع اللبن الذي كنا نناديه بـ(سيد اللبن).

وفي حي الجسر كان (محمد سيد اللبن) يبيع اللبن لأهلنا في الزقاق الواقع جنوب المدرسة الأهلية.

لم نكن نعرف شيئاً عنه سوى أنه من قبيلة الهدندوة .. عرفنا ذلك من طريقة كلامه ، ففي كسلا لا يسألك أحد عن قبيلتك أو أصلك .. أنت من كسلا وكفى .

كان ودوداً بشوشاً طيباً .. يرتدي ثوباً أبيضاً نظيفاً ويمتطي حماراً أبيضاً وديعاً مثله ، وقد وضع على ظهره سرجاً تدلت منه (مخلايتان) بداخلهما أوعية اللبن المعروفة بـ(التمن) ..

كان أميناً لا يغش اللبن وكانت الأوعية التي يحمل بداخلها اللبن نظيفة لا تشم منها سوى رائحة اللبن النظيف ، ولهذا لم نسمع بمن تسمم باللبن.

يأتي ويقرع الأبواب بعصاه وهو يردد : (سيد اللبن جا ، جيبو حَله) فنهرع مع أمهاتنا ونحن نحمل (الحَلة) أو (البستلة) فيملؤها لبناً صافياً سعر الرطل منه خمسة قروش.

كان حماره هادئاً لا يكترث بمن حوله وكنا نتكيء عليه فلا يلتفت إلينا ، ونمسك بذيله فلا يعيرنا انتباها.. ولم أرى ذلك الحمار هائجاً إلا مرة واحدة عندما حاول جارنا (عبد الرحمن ود السعدوك) ركوبه من رجليه فرفسه رفسة أسقطت إثنتين من أسنانه.

كبر (محمد سيد اللبن ) ولم يعد قادراً على بيع اللبن فترك مهنته لإبنه (عثمان) الذي كان مثل والده ودوداً بشوشاً طيباً .

كان الناس في ذلك الزمان يشربون (شاي المغرب) .. يشربه بعضهم في المقاهي وآخرون في بيوتهم ، وفي الصباح كنا نشرب الشاي باللقيمات التي كان يبيعها المرحوم (ود الضبعاوي). كان (ود الضبعاوي) يأتي بعد صلاة الفجر ويقوم ببيع اللقيمات في حي الميرغنية. كان عفيفاً قليل الكلام يبحث عن الرزق الحلال.

كان زماناً جميلاً في كل شيء ، وكانت قلوب الناس نضرة وأحلامها بسيطة : رغيفة وكرامة وسلامة ، كما قال الشاعر القدال.

لم نسمع بكثير من الأمراض التي نسمع بها الآن .. كان الناس يتداوون بالسلفا والكلوروكوين وحقنة البنسلين وآخرون يتناولون المر الحجازي والجرتقه والمستكه والكركديه ، وإذا أصاب أحدهم (كسر) أو (فَكك) ذهب للتداوي عند (ود دَودَو) . وحتى الموت – الذي لايفرق بين صغير وكبير – كان يختار العجائز قبل الصغار.

سمعت رجلاً في كسلا يقول : إن الخير والبركة فارقا كسلا منذ أن فارق اليمانية أرضها .

ونحن في طريقنا من حي الجسر إلى السوق ، كنا نمر بمبنى وزارة الثقافة والإعلام جنوب الجامع الكبير .. كان مبنى نظيفاً تزينه الزهور والورود وأشجار (النخيل الكاذب).

في ذلك المبنى كان الأديب الفذ (بابكر محمود النور) .. كنت أراه بطوله الفارع وابتسامته الساخرة التي لا تخطئها العين .. وكنا نراه أيضاً عندما خصص لنا المرحوم الأستاذ (مصطفى الرشيد) – الذي كان يدرسنا اللغة العربية والتاريخ بمدرسة كسلا الأهلية – ساعتين للإطلاع في مكتبة الثقافة والإعلام كل خميس.

لكني تعرفت عليه عن قرب عندما رحلنا من حي الجسر إلى محطة الأسكلة بحي المربعات وكنت من مرتادي تربيزة (الويست) في نادي (حي العرب) مع الزملاء د. (الفاضل بركة) و(محمد كيلون) و(عاطف عثمان) والأستاذ (عمر بابعير) و(عبد العال يوسف) و(مجدي بشير) و(يحى موسى) . كان يشاركنا اللعب الراحل (بابكر محمود النور) والراحل (محمد عثمان كجراي) . وفي الوقت الذي نكون فيه في انتظار دورنا ، كنت أتبادل الحديث معهما.

حدثني الراحل (كجراي) عن شعره وتجربته مع الفنان الراحل (محمد وردي) والفنان (إبراهيم حسين) ، وحكى لي ذكرياته عندما كان أستاذاً في مدارس الجنوب ، وأهدى إلى ديوانه : (الليل عبر غابة النيون).

وحكى لي الراحل (بابكر) عن دراسته في (روسيا) وأحلامه بتطوير الفن والإخراج السينمائي في السودان. كان يحمل طموحات وآمالاً عريضة لكنه اصطدم بواقع لا يشجع الفن السينمائي فتبددت أحلامه ، بعدها رحل (بابكر) ودُفنت معه أحلامه.

بعد وزارة الثقافة والإعلام كنا نمر ببلدية كسلا وفي ركنها الشمالي الشرقي هناك ملصق كتب عليه إسم الفيلم المعروض ذلك اليوم بالسينما الوطنية .
كان العم (الرتالي) هو من يقوم بكتابة إسم الفيلم ونوعه وأبطاله ، وكانت هيئته تدل على تأثره بالإنجليز بكلامه القليل وشعره الأشيب وردائه القصير وعجلته الرالي.
وفي سوق كسلا يأتيك صوت (فيصل دعاية) عالياً جهوراً وهو يعلن للفيلم : ( الليلة يا أخوانا في السينما الوطنية فيلم الكابوي (ديجانقو) .. نيران بره الشاشة) ..إلخ.

في ذلك الزمان كانت السينما تتصدر عالم الترفيه ، وذلك لقلة أجهزة التلفزيون والفيديو فكانت السينما ثقافة ومتنفساً وترويحاً للناس ، فيها ينفصل المشاهد عن الواقع ويصبح مشدوهاً بين عالمين : عالم الحقيقة وعالم الخيال ، ولذلك فقد ساهمت كل الأفلام الجادة التي قدمتها السينما في تغيير المفاهيم ونشر الوعي والقضاء على الجهل وربطنا بالعالم .

كان الناس ينتظرون الأفلام الجديدة .. وكانت صحيفتا (الصحافة) و (الأيام) تعلنان عن أسماء الأفلام المعروضة في الخرطوم ومدني وبورتسودان تحت عنوان : (أين تسهر هذا المساء ؟) وفي نهاية الإعلان: (المرجو عدم إصطحاب الأطفال).

كانت دور السينما مكشوفة لا سقف لها وكانت مقسمة الى ثلاثة أقسام تفصل بينها حواجز . كانت تلك الأقسام هي (اللوج) و(البلكونة) و(الشَعب) ، ولكل منها شباك لبيع التذاكر و مدخل خاص بها . وكانت بعض العائلات تذهب لمشاهدة الأفلام وتحجز مكاناً في (اللوج ) وكان العرسان الذين يقضون شهر العسل في كسلا يذهبون إلى السينما الوطنية ويجلسون في (اللوج) أيضاً .

كان اللوج يرتفع قليلاً عن (الشعب) الذي يواجه شاشة السينما والذي كان رواده من الطلبة ومحدودي الدخل ، أما (البلكونة ) فترتفع كثيراً عن (اللوج) ويتم الصعود إليها بدرجات من السلالم وكان يرتادها متوسطو الدخل مثل المعلمين والموظفين .

وفي الأيام التي تعرض فيها الأفلام الشهيرة ، يزداد إقبال الناس على السينما ، فتطول الصفوف وتباع التذاكر في (السوق الأسود) ، حينها يتم حشد المزيد من رجال الشرطة يتقدمهم الصول (الصادق) لحفظ النظام ومنع الفوضى.

كانت الأفلام تعرض عند الساعة السابعة مساء وينتهى العرض نحو الساعة التاسعة.

وقبل بداية العرض تنطلق الأغاني السودانية من مكبرات الصوت . كنا نسمع أغنية (أسمر جميل فتان) للفنان (محمد الأمين) و(ست الودع) لثنائي النغم و(ناس ناسيانا) لثنائي العاصمة وغيرها .

بعدها تطفأ الأضواء وتتحول السينما إلى بقعة من الظلام الدامس ويسود الصمت في المكان ، ثم ينبعث شعاع ضوئي كثيف من غرفة العرض التي تقع في الجزء الخلفي من السينما ، حينها تبدأ (المناظر) وهي مقتطفات من الافلام التى ستعرض في الأيام المقبلة .

بعد عرض (المناظر) تنطلق الأغاني لمدة قصيرة ثم تطفأ الأضواء وينبعث الشعاع الضوئي الكثيف مجدداً من غرفة العرض إيذاناً ببدء الفيلم.

كانت الافلام تعرض بنظام لا يتغير إلا نادراً : يوم الجمعة فيلم مصري ، ويوم السبت فيلم إنجليزي ويوم الأحد فيلم كاوبوي ويوم الاثنين فيلم جاسوسي ويوم الثلاثاء فيلم هندي ويوم الاربعاء فيلم حربي ويوم الخميس فيلم هندي آخر.

أمام السينما كان هناك بائعو سيجاير البرنجي والتسالي والفول السوداني وسندوتشات الطعمية والترمس والكبكبيه والعنكوليب وقصب السكر والذرة الشامية المعروفة بـ (عيش الريف) أو (القنقر).

وداخل السينما كانت تباع المشروبات الغازية مثل (البيبسي) و (الفانتا) ، إضافة إلى (الباسطة) التي كان يأتي بها أحد عمال قهوة (سمارة) في صينية قبل المغرب.

وفي الجهة الشمالية الشرقية من السينما الوطنية كان المرحوم (لَوَن) يقوم بحراسة الدراجات حتى انتهاء الفيلم مقابل مبلغ من المال.

وفي باب الشعب كان يقف المرحوم (الرضي عبد الصادق) والذي كان يعمل ترزياً بالنهار أمام دكان المرحوم (النور حسن تقلاوي).

في حي الجسر كان المرحوم (الطيب سمهن) و(أبوكرة إبراهيم أبوكرة) والأستاذ (فايز كامل) و(أزهري الدوتش) أكثر الناس ولعاً بالسينما .. كانوا يرتادون السينما الوطنية يومياً ويشاهدون أفلام ذلك الزمان . يضاف إليهم إبن عمتي (مامون البشير وقيع الله) والذي كان يأخذني معه لمشاهدة الأفلام وخاصة أفلام الكابوي .

تأثر الناس بأفلام الهنود وتأثر الهنود بأهل كسلا .. كان الهنود يصلون على النبي وهم غير مسلمين.

أذكر أن الزبائن الذين كانوا يأتون إلى دكان الهندي (برشيت) المجاور لقهوة (سمارة) يقولون له عندما لا يعجبهم سعر البضاعة : (صلي على النبي) فيرد عليهم قائلاً : (ألف على الحبيب).

كان الناس يفتنون بالافلام الهندية لأنها تحكي عن الحب والحياة وتنتهي نهاية سعيدة تجمع بين البطل وحبيبته.

وكان إخواننا (الهوسا) أكثر الناس ولعاً بالأفلام الهندية .. كانوا يعرفون أبطال الفيلم وبطلاته وأحداثه ويغنون الغناء الهندي وكأنهم أصحابه.

في تلك الفترة ذرف الناس الدموع في فيلم (من أجل أبنائي) ، وغنوا مع فيلم (جانوار) : (ميري مهبتي جوان رهيقي ، سدارا هيهي سدارا هيقي) .. كان الفيلم من بطولة (شامى كابور) و الممثلة (راجشرى) والتي لعبت دور حبيبته (سَبنا).

شاهد الناس أيضاً فيلم (الشعلة) بطولة ( دارامندرا) وفيلم (عدالتي) بطولة (راجين كان) وفيلم (كاليا ) والذي قام ببطولته الممثل الشهير ( اميتاب باتشان).

ومن أشهر الأفلام التي قدمتها السينما الهندية فيلم ( قرباني ) الذي لاقت أغنيته (ليلا او ليلا ) رواجاً شديداً لدرجة أنه تم اختيارها لتكون مقدمة لبرنامج (مختارات الأحد) الذي كانت تقدمه الإذاعة السودانية.
إضافة لتلك الأفلام ، عرضت أفلام أخرى لـ (راجيش كنا) الذي كان يلقب بمعشوق النساء ، و(جتندر) الذي اشتهر بالرقص والأناقة.

في ذلك الزمان ، كانت الأفلام المصرية هي الأفلام العربية الوحيدة التي تعرض في دور السينما.

في تلك الأفلام شاهدنا (فريد شوقي) الذي كان يلقب بـ (وحش الشاشة) ، و (توفيق الدقن) الذي اشتهر بدور (الخائن) ، و (محمود المليجي) و(عماد حمدي) و (محمود يس) و( نور الشريف) و(عادل امام) وغيرهم .

كما شاهدنا (نادية لطفي) و(سعاد حسني) و(نجلاء فتحي) و(أمل قنديل) و( ميرفت أمين) و( يسرا) و( نيلي) التي كان ينطقها الناس (نيليلي ) و(ليلى علوي) والتي أطلق إسمها على إحدى ماركات السيارات ، أيضاً شاهدنا (أمينة رزق) و(سناء جميل) و (كريمة مختار) وهن يمثلن دور الأمهات.

كان الناس يتأثرون بما يشاهدون ويرددون بعض العبارات التي تأتي بها الأفلام .

ردد الناس ماقاله (يحى شاهين) فى فيلم (شىء من الخوف) : ( قول لعتريس الجوازة باطلة.. الأرض تغرق الجوازة باطلة.. البلد تنحرق الجوازة باطلة) وردد الناس ماقاله (توفيق الدقن ) في فيلم (الشيطان يعظ ) : (هو جرى إيه للدنيا ؟ الناس كلها بقت فتوات؟ اُمال مين اللي ح ينضرب ؟ ) ومن الجمل الشهيرة الأخرى لتوفيق الدقن عبارة (أحلى من الشرف مفيش) والتي لاتزال تجري على الألسن المصرية حتى يومنا هذا.

شهدت تلك الفترة أفلاماً لا تزال في الذاكرة منها : (خلي بالك من زوزو) و (الساعة تدق العاشرة) و (الرصاصة لا تزال في جيبي) و (العذاب فوق شفاه تبتسم) و (أريد حلاً) و (شفيقة ومتولي) و(الصعود إلى الهاوية) و (ابتسامة واحدة لا تكفي) و (ولا يزال التحقيق مستمراً) و (رجب فوق صفيح ساخن) و (حب في الزنزانة) و (سواق الأتوبيس) وغيرها .

كانت معظم الأفلام المصرية مأخوذة من روايات (إحسان عبد القدوس) و(نجيب محفوظ ) و(يوسف السباعي). وعلى الرغم من جودة معظم تلك الأفلام ومحاولتها معالجة مشاكل المجتمع المصري فإن هناك صفحة سوداء في تاريخ السينما المصرية وهي الفترة التي شهدت أفلام الإغراء والتي قامت بتمثيلها الممثلات (ناهد شريف) و (شمس البارودي) و(مديحة كامل) و(سهير رمزي) و(نبيلة عبيد) .

ومع إقبال الشباب على تلك الأفلام المثيرة غير أنها لم تترك قيمة فنية تذكر فماتت في مهدها ، وساعد على أفولها وجود هيئة لرقابة السينما كان يمتد (مقصها) للقطات المثيرة في الفيلم.

حكى لي صديق أنه شاهد أحد أفلام الإغراء في السينما الوطنية ، وعند خروجه من السينما بعد نهاية الفيلم قابله رجل يسكن بالقرب منهم وكان قد دخل الفيلم أيضاً ، قال له ذلك الرجل : يا ولد ما تدخل زي الأفلام دي . فرد عليه صديقي : (وانت دخلت الفلم بصفتك ناقد سينمائي ولا شنو ؟ )

إلى جانب الأفلام المصرية والهندية إشتهرت أفلام الكاوبوي والتي كانت تحكي عن الصراع بين الخير والشر ، وكان الخير ينتصر فيها دائماً.
كانت أشهر أفلام الكاوبوي هي الأفلام الإيطالية المعروفة بأفلام (إسباغيتي ويسترن) والتي تميزت بالقسوة والعنف.

كنا نتسابق على أفلام الممثل الإيطالي (بود سبنسر) الذي كان أحد (فناني الشباك) حينها .

إشتهر (بود سبنسر) بتمثيل دور (ترينتي) ساعده في ذلك طوله وضخامته.

في تلك الأفلام لعب (ترينتي) دور راعي البقر و الشرطي ، ومن أشهر أفلامه (لايزال إسمي ترنتي ) و(عودة ترنتي) والتي مثل فيها معه الممثل ( ترانس هيل).

وفي كسلا أطلق لقب (ترينتي) على لاعب فريق المريخ (عبد الكريم ترينتي) الذي كان يعمل في الشرطة.

وهناك الممثل الايطالي جوليانو جيما (أبو شخته) والذي اشتهر بدور (رينقو) .. كان يستخدم مسدسه بسرعة فائقة وكان ينحاز إلى الفقراء ويقتل أعداءه بحركات اكروباتية، حتى تأثرنا به وصرنا نقلده.

كانت أشهر الأفلام التي مثلها (جوليانو جيما) : فيلم (يوم الغضب) و (الدولار الفضي) و(عودة رينقو).

ومن الأفلام الأخرى هناك الفيلم الإيطالي (سراتانا لايرحم) وقد قام بدور (سراتانا) الممثل الإيطالي (جياني غاركو) وشاركه التمثيل (فيرناندو شانسو).
في تلك الفترة ظهرت أفلام (ديجانقو) والتي قام بدور البطولة فيها الممثل الإيطالي (فرانكو نيرو) وكان (أميقو) هو الخائن.

ولشهرة (ديجانقو) في ذلك الوقت أطلق إسمه على لاعب (الميرغني) السابق المرحوم (صلاح حسين) وذلك لتخصصه في إحراز الأهداف وخاصة في فريق (التاكا) الذي كان ينافس (الميرغني) على بطولة الدوري ، كما أطلق إسمه أيضاً على لاعب حي الجسر السابق (فضل إبراهيم أبوكرة).

إضافة إلى تلك الأفلام هناك فيلم (من أجل حفنة من الدولارات) الذي قام ببطولته الممثل الأمريكي (كلينت إيست وود) .

أما في الأفلام البوليسية أو أفلام (الاكشَن) كما يطلقون عليها ، فقد شاهدنا الممثلين الأمريكيين (بوب هوب) و(توني كيرتس) والممثل المكسيكي- الأمريكي (انطوني كوين).

وفي الأفلام الجاسوسية أبدع الممثل الأمريكي (شارلز برونسون) في تمثيل أدوار مختلفة مثل محقق الشرطة و الملاكم وعضو عصابة المافيا ، ومن أشهر في أفلامه (مصيدة الموت) و (أمنية الموت) و (الهروب الكبير).

إضافة لهؤلاء إشتهر الممثل الإنجليزي (جون واين) و (تيلي سافالاس) الملقب بـ ( ابو صلعة) والممثل الاسكتلندي (شين كونري) والممثل الإنجليزي (روجر مور) والذي كان بطلاً لسلسلة ( جيمس بوند).

إشتد ولع البعض بالأفلام فكانوا يدخلون السينما أكثر من مرة لمشاهدة نفس الفيلم ، وإذا عبس لك الحظ وجلست بالقرب من أحدهم فستفقد متعة الفيلم وإثارته لأنهم لن يتوقفوا عن سرد تفاصيله قبل أن ينتهي.

بعد نهاية الفيلم ، يذهب مرتادو السينما إلى مطاعم الفول مثل مطعم (محمد إدريس) و(نجمة البحر الأحمر) و(لا أنام في خدمة الشعب ) وغيرها ، وقبل منتصف الليل يعودون إلى بيوتهم . وفي حي الجسر كنا نسمع صوت العجلات وقهقهات إخواننا (الهوسا) وترديدهم لأغاني الأفلام الهندية وهم في طريقهم إلى غرب القاش .. في ذلك الوقت ندرك أن الليل لا يزال طفلاً يحبو.

سينما الوطنية والسينما الشرقية ومسرح تاجوج معالم عزيزة ، وصروح مشحونة بالذكريات والشجن.

كانت الحفلات تقدم في السينما الوطنية وفيها غنى الفنانون : (محمد وردي) و(محمد الامين) و(صلاح بن البادية) و(أبو عركي البخيت) و(زيدان ابراهيم) و(خوجلي عثمان) و(ابراهيم حسين) وغيرهم .

في تلك السينما حدثت طرفة للراحل (وردي) عندما هبت (كتاحة) فامتلأت السينما بالغبار .. وفي تلك الأثناء طلب منه الجمهور غناء أغنية (وا أسفاي) فرد عليهم قائلاً : (أسفاي وين مع السفاية دي ؟).

وفي (مسرح تاجوج) كانت تقدم المسرحيات وفيه قدم الراحل (الفاضل سعيد) أشهر مسرحياته : (أكل عيش) ، (النصف الحلو) و(بت قضيم).

إنه زمن جميل عشناه في كسلا .. تحكي عنه اللافتات القديمة وسوق الخضار ومسرح تاجوج والشركة الحبشية وبص الزين .

الآن ماعدنا نعرف كسلا ولا أهلها .. هاجر أهلها وغادر بعضهم الدنيا ، وحتى الذين يعيشون فيها لم نعد نراهم كما كنا نراهم في الماضي .

تحولت السينما الوطنية إلى ركام وصارت السينما الشرقية مكاناً لبيع الفحم والبرسيم .. صار المساء كئيباً في كسلا وأصبح الكل يتساءل : أين تسهر هذا المساء ؟

مالك محمد أحمد

شاركـ علـى
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.