آخر الأخبار
اخبارك في موعدها

شرق السودان تنافس المكونات وتحديات التفاهم

احمد بامنت

منذ اندلاع شرارة ثورة ديسمبر المجيدة في العام 2018 التي اطاحت بنظام المؤتمر الوطني … دخلت البلاد مرحلة جديدة من التغيير السياسي والاجتماعي، تخللتها انتصارات وتحديات جسام،كللت في محصلتها بحكومة الثورة التي جاءت وفق بنود الوثيقة الدستورية التي توافق عليها المجلس العسكري وممثلي قوي اعلان الحرية والتغيير وتتدرجت وصولًا إلى اتفاق جوبا للسلام الذي حاول معالجة جذور النزاعات المزمنة في الأطراف، ومنها شرق السودان الذي ظل تاريخيًا ساحةً لتداخل المظالم التنموية… مع تنافس المكونات القبلية والصراع على النفوذ والمناصب.
ورغم الآمال التي عقدها سكان الشرق على المسار الخاص بالإقليم ضمن اتفاق جوبا، سرعان ما عادت التوترات القبلية لتطفو إلى السطح، مدفوعةً بتباين المواقف من الاتفاق ذاته، وما تبعه من تحولات عسكرية وسياسية تعقدت أكثر بعد الحرب التي اندلعت في الخامس عشر من أبريل بين الجيش وقوات الدعم السريع لتضيف أعباءً جديدة على شرق السودان الذي يمثل بوابة البلاد إلى البحر الأحمر ويكتسب أهمية استراتيجية في ميزان الأمن القومي والإقليمي.
وفي خضم هذا الواقع الهش، برزت جهود محلية لإعادة ترتيب البيت الشرقي، وضبط إيقاع التنافس بين مكوناته القبلية والسياسية والعسكرية، في محاولة لتجنب انزلاق الإقليم إلى موجة جديدة من الاحتراب والفوضى.
في ظل كل الاحداث ومع صعود وبروز لاعبين جدد علي المشهد السياسي بشرق السودان جاءت الدعوة للورشه التشاورية حول قضايا الشرق والتي دعت لها الحركة الشعبية للتحرير والعدالة في خطوة لتقريب الرؤي بين القوي الفاعلة بالاقليم ويعد هذا تطور لافت وقد يُحدث تحولات جوهرية في بنية القوى السياسية والعسكرية بشرق السودان، حيث أعلن القائد الأمين داؤود، رئيس الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة وقائد «الأورطة الشرقية» — الفصيل العسكري للجبهة — عن تشكيل لجنة بقيادة جعفر محمد الحسن لإطلاق حوار مباشر مع قوات «تحرير شرق السودان» بزعامة إبراهيم دنيا، تمهيدًا لوضع «ميثاق تأمين شرق السودان» وصياغة خارطة حل سياسي مشترك لقضايا الإقليم.

جاءت هذه الخطوة في سياق الورشة التشاورية المنعقدة بكسلا تحت شعار «العود محميٌّ بحزمته ضعيفٌ حين ينفرد»، حيث أوضح جعفر محمد الحسن أن الورشة تستهدف وضع رؤية موحدة وخارطة طريق جامعة لكل مكونات الإقليم، عبر حوار مفتوح يضمن الحقوق ولا يهدر مكتسبات المسار الذي خاضه الإقليم في اتفاق جوبا للسلام.
وأكد الحسن ضرورة رفع نسبة الموارد المخصصة لتنمية الشرق وإشراكه كشريك فعلي في إعادة صياغة الدولة بعد تداعيات حرب الخامس عشر من أبريل.

 

 

*الأمين داؤود: دعمٌ للجيش وتأكيد على عدم المساومة*

من جانبه، أعاد الأمين داؤود تأكيد تمسكه بمسار شرق السودان ضمن اتفاق جوبا، مشددًا على أن «الأورطة الشرقية» ماضية في «انتزاع حقوق أهل الشرق» دون مساومة، مع الاصطفاف خلف القوات المسلحة والقائد العام في مواجهة التحديات الأمنية والسياسية. وخصّ داؤود حكومة وشعب دولة إرتريا بالشكر على ما اعتبره دعمًا لوجستيًا وسياسيًا خفّف عن أهل الشرق أعباء الاتهامات وأمن حدود الإقليم.

*التنافس القبلي وواقع التحالفات*

غير أن هذا المسار لا ينفصل عن واقع معقد يتمثل في التنافس المستمر بين المكونات الاجتماعية الكبرى في الشرق، خصوصًا بين مجتمع البني عامر والحباب من جهة — وهما القاعدة الاجتماعية الرئيسية لفصيلي الأمين داؤود وإبراهيم دنيا — ومجتمع الهدندوة بزعامة الناظر محمد الأمين ترك من جهة أخرى.
فقد ظل هذا التنافس مصدرًا لتأجيج النزاعات القبلية التي شهدت ذروتها خلال السنوات الأخيرة، وأدت إلى موجات من العنف الأهلي، كان آخرها في ولايات كسلا والقضارف والبحر الأحمر، وسط تنامٍ ملحوظ لخطاب الكراهية والاستقطاب القبلي، الأمر الذي يهدد استقرار أي تفاهم سياسي ما لم تتم معالجته بعمق.
ورغم هذه الخلفيات المتوترة، أظهرت الأشهر الماضية تقاربًا ملحوظًا بين الأمين داؤود والناظر ترك، بعد قطيعة طويلة وصلت إلى مستوى النزاع المفتوح حول مسار الشرق واتفاق جوبا. وقد ساهم الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021 والحرب الأخيرة في إعادة تشكيل هذه التحالفات بشكل مرن، إذ اختفت لغة التخوين بين الرجلين لصالح خطاب مشترك يؤكد وحدة الصف وحماية مكتسبات الإقليم.

*توازنات دقيقة وتدخلات إقليمية*

يثير بعض المراقبين تساؤلات حول دور إرتريا في هندسة هذا التقارب، نظرًا لتاريخها الطويل في دعم الفصائل المسلحة بشرق السودان، وهو ما يعطي هذا الاتفاق المرتقب بُعدًا إقليميًا لا يمكن تجاهله.

كما أن الحكومة بقيادة البرهان، رغم قربها المعلن من «الأورطة الشرقية»، ما زالت تتعامل بحذر مع «تحرير شرق السودان»، في ظل تقارير عن تعرض منسوبي إبراهيم دنيا لمضايقات أمنية متقطعة، ما يعكس توازنًا معقدًا تحكمه حسابات السلطة المركزية والتحالفات القبلية على الأرض.

*مستقبل مرهون بتبريد التوتر*

إن فرص نجاح هذا المسار تعتمد على قدرة الأطراف على ضبط قواعد اللعبة القبلية وكبح خطاب الكراهية الذي يقوّض أي أرضية للحوار، إلى جانب تجاوز التنافس على استقطاب الشباب لمعسكرات التدريب، وهو التحدي الأكبر في بيئةٍ بات فيها السلاح متاحًا بكثرة وسط مجتمعات لم تتعافَ بعد من النزاعات الأهلية.
وفي المقابل، فإن فشل هذه التفاهمات قد يُعيد الشرق إلى واجهة التصعيد المسلح وسباق التسلح الأهلي، مع ما يحمله من فرص لتدخلات إقليمية متزايدة في إقليم ظل لعقود منطقة نفوذ مفتوحًا أمام الأجندات الخارجية.

*وحدة الرؤية أم عودة الاحتراب؟**

بين واقع قبلي قابل للاشتعال، وتنافس سياسي لم يُحسم بعد، تقف محاولات «الأورطة الشرقية» و«تحرير شرق السودان» على مفترق طرق. فإما أن تُشكّل هذه التحركات أرضية لميثاق جامع يضمن الحقوق ويعيد ترتيب البيت الشرقي ضمن مشروع الدولة السودانية الجديدة، وإما أن تتلاشى أمام موجات الشك والتنافس القبلي، لتبقى قضايا الإقليم رهينة لمعادلات السلاح والتدخل الخارجي

شاركـ علـى
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.