احمد بامنت
عندما صاغ الاستاذ المبدع محمد عبد الحي ملهمته الرائعة العودة الي سنار لم يكن يدرك ان هذه العودة ستكون نتيجة هجرة قسرية دفعت الاهل للخروج من منها ولم تكن تدرك سنار ذاتها ان يمر علي تاريخها العريق تلك الايام السوداء ..؟
سنار هل تدرين من ترك الشواطي ضاحيا … كالشمعة الزرقاء يحتضن المدي ؟
ويطوف بين جداول الماء الحزين ؟
سنار هل تدرين ان شروق الغابة المرة حين يلف صما النهر يفتح جرحة الازلي ينبت زهرة التاريخ في ارض الرمال .
اراهم في مشارق الدم المسفوك يستقبلون الفجر بالانوار .
كتب الشاعر محمد عبد الحي قصيدة “العودة إلى سنار” في ستينيات القرن العشرين، ونُشرت لأول مرة عام 1967م حينها كان يبحث عن الهوية السودانية فكانت سنار كرمزا ثقافيا وتاريخيا كيف لا وسنار السلطنة الزرقاء وسنار التاريخ والحضارة كتبها محمد عبد الحي حينها والبلاد تعيش تحولات سياسية وثقافية ، تحولات لا كالتي يشهدها السودان حاليا… مع اختلاف الفارق فقد كانت تلك التحولات تهدف في محصلتها للارتقاء بالوطن باختلاف الطرق والوسائل اختلاف لم يكن فيه اراقة دماء وسلبا ونهبا واغتصابا ، كانت تلك الاختلافات اختلافات ثقافية تبحث في مجملها عن تاسيس واستكشاف الهوية السودانية في ظل تأثيرات الحداثة انذاك فجاء الشاعر محمد عبد الحي بالعودة الي سنار ليحاول من خلالها إلى دمج هذه الهوية مع رؤيته الصوفية والفنية مما جعلها عملًا خالدًا في الأدب السوداني.
استدعي اليوم الشاعر محمد عبد الحي ليشهد عودة حقيقة الي سنار من ولاية كسلا ونروي له ما وقع من احداث وما وصلنا اليه من بعده من قتل وانتهاك ،،، فقد كان يتخوف من ان نصل الي ما نحن عليه ولهذا كان يبحث عن الهوية الجامعة ويدعونا الي الانتماء وعدم التشتت والانقسام وعبر قصيدته تلك كان يبحث عن جذور الذات السودانيه ويستدعي سنار رمزًا للوحدة الثقافية والتاريخية التي جمعت بين التنوعات السودانية المختلفة لكن هاهي سنار اليوم محترقة وتشرد اهلها ويعتزمون العودة مع كل التوجس والقلق من مصيرا مجهول. الاستاذ محمد عبدالحي نقول لك وانت في عليائك اليوم ان البلاد لم تعد البلاد عصفت بها الانقسامات بسبب الحروب والصراعات وكأن الارتباط برمز الوحدة التاريخية قد تلاشى أو صار غائبًا عن الوعي الجمعي
ونقول ذلك اليوم وكسلا تعمل علي تنفيذ برنامج العودة الطوعية لنازحي سنار بعدد 120اسره هجروا او هجروا عن سنار قسرا بسبب تلك الحرب العبثية في مشهد يتجلي فيه مخاوفك التي دفعتك لصياغة قصيدة العودة الي سنار . سيكمل برنامج العودة وليعود اهل سنار الي سنار ولنعود جميعنا الي قراءة التاريخ بما في ذلك فترة سنار، أصبحت ملحة لتذكير الأجيال بأهمية التماسك والتعايش ولنحاول ان نكتب عن هذه الفترة من تاريخ السودان الاسود لتكون هادية ومرشدة للاجيال القادمة ولتكن جزءا من جراحات التاريخ التي يمكن أن تنبت زهرة فان هذه الجرحات ستعبر عن المعاناة التي يمكن أن تُستلهم منها قوة لبناء مستقبل جديد.
“العودة إلى سنار” ليست مجرد قصيدة،ولا هي مشروع ينفذ ونودع بعضنا بعضا ،، هي دعوة للتأمل في التراث والهوية السودانية بمفهومها العميق والمتعدد هي قراءة لواقع مرير إذا استطاعنا اليوم استلهام روح القصيدة بما تحمله من قيم الوحدة والتعايش،واذا تعاملنا مع هذا الحدث بطريقة مغايرةعندها فقط نستطيع تجاوز الحاضر المأزوم لمستقبلا مشرق ووطن مزدهر ينعم فيه الجميع بالحرية، سلام، عدالة.