مالك محمد احمد
في دكانه في الشارع المؤدي إلى سوق النسوان بكسلا ، ومع إيقاع ماكينات الخياطة ، كان في انتظار بائعي الترمس الذين يجوبون أحياء المدينة وأسواقها بعراريقهم البلدية ، وخاصة بعد صلاة العصر ، يبيعون الترمس والكبكبيه الطازج في جرادل مغلطاة بقطعة من الدبلان الأبيض الناصع ، ثم يقومون بتعبئتها في قصاصات مثلثة من إحدى الصحف السائدة في ذلك الزمان كصحيفة (الأيام) و (الصحافة) والمجلات المصرية مثل مجلة (المصور) و (روز اليوسف) و (صباح الخير) و (آخر ساعة).
كان في انتظار بائعي الترمس .. ليصيح بعدها لأحد القهوجية بأن يحضر له كوباً من الشاي باللبن المقنن بعد صلاة المغرب.
هذا السيناريو المسرف في الروعة ، شهد ميلاد (مع ساعة الغروب) ، وسكب النغم في (نجمة نجمة) ، ودوزن لوحات غنائية بديعة داعبتها حنجرة الفنان (إبراهيم حسين) ، فاتكأت على جبال التاكا وتوسدت رمال القاش ونامت على صدر السواقي.
كان (إبراهيم حسين) من كبار ترزية المدينة .. بدأ حياته كترزي سيدات يقوم بتفصيل فساتين الأعراس ثم تحول إلى ترزي أفرنجي يفصل (البدل) وكانت آخر بدلة فصلها للراحل المقيم الفنان (محمد وردي).
ومع اكتمال موهبته الفنية لحناً وأداءً ، وبسبب الأرق الذي تسببه الحفلات ، ترك مهنة الخياطة وترك معها غرب القاش إلى مدينة الأضواء (الخرطوم) والتي لمع فيها بأروع الأغاني : أغنية (شجون) المعروفة عند الناس بـ(خلاص يا قلبي كان خاصم) ، لحنها بنفسه من كلمات الشاعر الراحل (محمد عثمان كجراي) .. (ليه ياشمعة سهرانة) ، (يا غيمة أمشي زيارة) ، (تعيش إنت ويدوم خيرك) وغيرها من الروائع التي كتب كلماتها ابن كسلا الشاعر إسحق الحلنقي وشعراء آخرين.
في ذلك الزمان كانت دكاكين الترزية محطات يلتقي عندها أهل العلم والثقافة والأدب .. يتسامرون ويضحكون ويحكون عن كل شيء .. يحكون عن الشعر والأدب والفن والرياضة والسياسة وكافة مناحي الحياة.
كان هناك : محمد عثمان كجراي ، حسان أبو عاقلة أبو سن ، عمران العاقب ، علي صالح داؤد ، كمال عبدالحليم ، ميرغني ديشاب ، سليمان زروق ، والزين حامد . ومن وزارة الثقافة والإعلام الأديب الفذ المتفرد (بابكر محمود النور) ، ومن الأطباء الدكتور جريتلي والدكتور باشاب ، ومن أهل الفن الفنان الراحل عبد العظيم حركة .. وغيرهم كثر.
كان للترزي مكانة اجتماعية لا يستهان بها ، فخياطة الملابس فن وذوق وموهبة ، ومهارة الترزي تفضي إلى حسن المظهر والرقي والأناقة.
وفي كسلا كان (محمود الدمحة) أكثر الناس أناقة : خنفس وقميص بلياقة عريضة وبنطلون شارلستون وعجلة حمراء كتب عليها : (عاهدتني) ، ينافسه إبن حي الجسر (عادل جبريل) والذي كان يلقب بالباريسي ، وقد لعب كلاهما لفريق الجسر العريق . ويدخل معهما في عالم الأناقة المرحوم (عماد عبد الله خليفة).
وفي حي الكارة كان (الدرديري الباشا) بجلابيته السكروتة المميزة و (عبد الرحمن إيبا) ، وفي حلة جديد كان الأستاذ صلاح البليل .. وفي حي المربعات (ود الحلو) . وفي حي الميرغنية المربي الراحل الأستاذ (مصطفى الرشيد) و(علي مختار) المحاسب بالمجلس البلدي ، قريب الأخوان (جيم) و (الماحي) . أما في غرب القاش فهناك (معاوية أناقة) ، وفي بانت (عبد الله جعفر) والمربي الأستاذ (السر خلف الله الماحي) المعروف بـ(السر عصب). وفي حي الترعة المساعد الطبي (علي هندي). ومن الختمية كان الأستاذ (القدال) يُدرس اللغة الإنجليزية في مدرسة كسلا الأهلية ويرتدي بدلة كاملة أثناء الحصة. وفي السوق إشتهر الهدندوي (أوهاج) الذي كان يعمل في دكان المرحوم (مبارك محمد أحمد). وفي الحفلات إشتهر (كدارة).
كانت تتجلى أناقة الشباب في حفلات الأعراس .. وأعراس كسلا في ذلك الزمان صباحها يُبهر وعصرها يأسِر وليلها يسحَر.
في الصباح نأتي بالخيمة والكراسي والبيبسي من محلات المرحوم (يس صالح) وابنه المرحوم (حموده) في شارع (الدكاترة) بحي الجسر ، ثم نقوم بنصب الخيمة وملء البرميل المخصص لغسل الأيادي . وفي العصر تؤجر أنوار الزينة والمكرفونات من (أبو العلا محمد أبو العلا) غرب منزل المرحوم (محمد خضر دمبلاب) ثم تكنس وترش إحدى الفسحات وخاصة الفسحة الواقعة خلف منزل المرحومة (حواء التجانية) وإبنها المرحوم (أسطى بشير) والتي تقع جنوب شرق نادي كسلا أمام (أمية) الكهرباء.
ويكتمل الفرح ليلاً بإبداع الفنان الراحل (محمد مطر) و (عبد الرحمن ناصر) و (حامد كاتا) مع تقديم المرحوم (مقر) للفنانين و(فيصل دعاية) لكشف الحنة.
وتقودني الأعراس إلى طرفة حدثت في حي الجسر ، وهي أن عريساً لبس في يوم زفافه (لباساً) جديداً تحت بنطلونه وكان ذلك (اللباس) من النوع الذي تثبته (كباسين) الحديد .
لم يشعر بالكباسين لأنه كان واقفاً ، ولكن عندما جلس مع عروسه في (الكوشة) بدأ يحس بطعنات (الكباسين) ، ولم يرد أن يظهر ذلك ، فكان كلما طعنته ينهض من (الكوشة) ويذهب إلى الفنان و(يبشِر) له .. لاحظ الناس ، كما لاحظت عروسه ، أن العريس لا يرغب في الجلوس معها ، فذهب إليه أصدقاؤه وسألوه عن السبب فقال لهم : أظن (الكباسين) ما راكبة كويس .. وهنا ضحك الجميع وعرفوا أنه لبس (لباسه) بالمقلوب.
كان الترزية الأفرنجية يقومون بخياطة البناطلين والقمصان والبدل والكنغولي .. وكانت الموضة حينها بنطلون الشارلستون يرتديه الشباب ، والبنطلون العادي المعروف بـ(كيس البندقية) يرتديه كبار الموظفين.
وكان إبن حي الكارة الفنان (كمال كيلا) والسياسي (منصور خالد) أشهر من لبس الشارلستون في السودان . أما القمصان فقد كان أشهرها قميص (تحرمني منك) والقميص السادة.
من أشهر الترزية الأفرنجية في كسلا :
عثمان عبد الباقي :
أصله من منطقة العبيدية بشمال السودان وعمل في مدينة أمدرمان قبل انتقاله إلى كسلا . وفي بداية حياته في كسلا عمل مع الترزي المعروف عبدالرحمن الشيخ . بعدها انتقل إلى دكانه الواقع في الشارع المؤدي من نادي الميرغني القديم إلى سوق النسوان.
في أعلى دكانه لافتة كتبها المرحوم (الطيب محمد الحسن) المعروف بـ(الطيب ألالاي) والذي كان يعمل بالبوستة وهو شقيق كل من الأستاذ (على محمد الحسن) والمهندس (عمر محمد الحسن) و(بابكر محمد الحسن) (بوكو) و(قمر الدين) .. كتبت اللافتة بلون أبيض على خلفية زرقاء : عثمان عبد الباقي .. ترزي أفرنجي .
خارج الدكان هناك عجلة (عثمان عبد الباقي) وطاولة كبيرة وضع عليها مكواة فحم ثقيلة (أبو ديك) لكي الملابس بعد تفصيلها.
أما داخل الدكان فهناك طاولة كبيرة يقف خلفها عثمان عبد الباقي ويفصل عليها الملابس . وبجانب تلك الطاولة (بترينة) زجاجية علقت عليهه الملابس التي تنتظر أصحابها ، وفي الخلف هناك راديو (هيتاشي) مغطى بغلاف جلدي أسود ، يستمع من خلاله للإذاعات المختلفة وخاصة إذاعة (أم درمان) و(صوت العرب) و(مونت كارلو). وفي الجهة اليمنى من الدكان (3) ماكينات يجلس عليها الترزية الذين يعملون معه.
كان أبناء حي الجسر يفصلون ملابسهم عنده ، وأذكر أن لاعب الجسر السابق الأخ (فضل إبراهيم أبوكرة) والذي كان يعمل في غابات كسلا ، فصل عنده بدلة زواجه الكحلية.
تعرض (عثمان عبد الباقي) لحادث سير تسبب في ألم دائم في ظهره ، فترك الخياطة وركوب الدراجة.
المرحوم معاذ بابكر درويش :
رباطابي ، أصوله من مدينة (بربر) ، جمع الهدوء والطيبة والإبتسامة وأورث كل ذلك لأبنائه : المرحوم (مامون) والمهندس المعماري (مرتضى) والصيادلة (مازن) و (مؤتمن).
كان دكانه ، ولا يزال ، جنوب سوق الصاغة .. تقابله من الشرق محلات إشراقة (سابقاً) لصاحبها (الطيب الجزولي) ومن الغرب البرندة التي تضم المرحوم (عبد الله كابو) وأجزخانة الفضل ، ومن الجنوب تقابله دكاكين فيصل محمود وفؤاد وحسين محمد حسين وهي أشهر الدكاكين التي كانت تباع فيها الأحذية .
في أعلى الدكان هناك لافتة سوداء كتب عليها بخط الثلث : معاذ بابكر درويش .. ترزي رجال سيدات ، كما رسم عليها مقص .
إشتهر المرحوم المرحوم (معاذ) في بداياته بتفصيل الأزياء النسائية ثم فصل الأزياء الرجالية . وقد أشتهر في المدينة بتفصيل الزي المدرسي بكميات كبيرة يوزع منها مجاناً للطلبة الفقراء.
ومن الذين عملوا مع المرحوم (معاذ) : لاعب الميرغني السابق (حبيب) والذي كان يلعب في خانة الظهير الأيسر ، و(حسون يوسف) وهو رباطابي قريب التاجر المرحوم (الحسين محمد جلال) ، كما عمل معه إبن حلة جديد (صلاح بركات) ، وإبن البرنو (علي الصافي).
عبد الرحمن الشيخ :
من مناطق الدناقلة .. مارس مهنة الترزية بشقيها البلدي والأفرنجي . وقد كان يلقب بشيخ الترزية لأنه قام بتعليم الكثير من الترزية الذين اشتهروا بأنفسهم لاحقاً ومن أشهرهم الترزي (عثمان عبد الباقي ).. كان يقوم بتفصيل الجلاليب والبناطلين والقمصان والبدل في مكانه المعروف شمال الطبالي القديمة بالقرب من قهوة (أم الحفر) حالياً ، ولا يزال إبنه (أشرف) يمارس المهنة في نفس المكان.
المرحوم صلاح فرنيب :
كان للمرحوم (فرنيب) كشك بالقرب من دكان المرحوم )هلاوي( والد الفنان التشكيلي (محمد عابدين هلاوي) والأستاذ (عبد الرحيم هلاوي) ، ثم انتقل إلى كشك آخر مقابل دكان المرحوم (البليل) ، بعدها ترك مهنة الترزية وافتتح (حلوانياً) لبيع المرطبات. وحدث أن جاءه رجل من (عرب الخلا) وطلب زجاجة من الحليب فأعطاها له فشربها .. أعجبه طعم الحليب وبرودته فطلب زجاجة أخرى وشربها ، ولكن عندما طلب زجاجة ثالثة رد عليه المرحوم (فرنيب) قائلاً : ( قزازة تاني مافي ، أمشي أسعى ليك غنماية وأرضع منها ).
وكان فرنيب – رحمه الله – يسخر من كل شيء ، حتى من نفسه . وقد حكي بنفسه لصديقه المرحوم (السر حامد عبد الرحيم) أن أحد الشعراء (الشعبيين) في كسلا أحضر إليه ملابس مستعملة لتصليح السُست والزراير . فقال له فرنيب : أنا ما بتاع الحاجات دي شوف ليك زول تاني . فغضب الشاعر منه وهجاه قائلاً : (يا الفرنيب يا الكُلك عيب .. فلَس في الراس وفلس في الجيب). كان المرحوم (فرنيب) يحكي هذه القصة وهو يضحك.
وكما كان (صلاح فرنيب) ترزياً كان شقيقه المرحوم (كمال فرنيب) ترزياً أيضاً ، وقد كان (كمال) يعمل مع المرحوم (معاذ بابكر درويش) بعدها رحل بنفسه في الكشك الذي عمل فيه لاحقاً أخيه (صلاح) ثم هاجر إلى المملكة العربية السعودية وعمل ترزياً بالحرس الوطني.
سمير ماشي :
غرب قهوة النجيلة (بنك الخرطوم حالياً) كان هناك أحد أشهر الترزية الأفرنجية .. لاعب الميرغني السابق (سمير حسين) المعروف في كرة القدم بلقب (سمير ماشي) .. إشتهر بهذا الإسم ولا أحد يعرف أن إسمه الحقيقي هو (آدم) .. كان (سمير) معلماً في الخياطة موهوباً في الكرة وكان يلعب في خانة الوسط . وفي خانة رأس الحربة كان شقيقه المرحوم (صلاح حسين) الملقب بـ(ديجانقو) .. كان سمير وصلاح :(ميسي ورونالدو في فريق واحد).
عمل (سمير) مع المرحوم (فرنيب) ثم هاجر إلى المملكة العربية السعودية ومكث فيها ردحاً من الزمان ثم عاد وعمل خياطاً بمنزله وبعدها سافر إلى الخرطوم.
إضافة إلى هؤلاء هناك (عبد الله حسين) الملقب بـ(عبدالله شي) أو (عبد الله كسكي) وهو شقيق أستاذَي الرياضيات المشهورين بكسلا الثانوية : (بامي حسين بامي) و (خليل حسين بامي) . تعلم الخياطة على يد خاله الترزي (النور علي) ، وكان يخيط ملابس الزبيدية ثم أصبح ترزياً أفرنجياً ، بعدها ترك المهنة وافتتح صالوناً للحلاقة. وعبد الله حسين ، بضحكته العالية المميزة ، شخصية اجتماعية معروفة ، يشارك في الأفراح والأتراح في كل أحياء المدينة ، كما كان رياضياً مطبوعاً يشجع فريق التاكا.
ومن الترزية الأفرنجية الآخرين هناك لاعب القاش السابق (أحمد أب شنب) ببرندة دكاكين المرحوم (التجاني مليح) شرق قهوة عثمان العوض.
ومن لعيبة القاش السابقين أيضاً (شاويش) .. كان ترزياً أفرنجياً وعمل في دكان المرحوم (حمزة الخير) ثم رحل إلى برندة (شعيب) جوار الترزي (دراري).
وفي برندة الترزية الأخوان (علي شعيب) و (سليمان شعيب) هناك لاعب القاش السابق (عيسى عبدالرازق) .
وبسوق النسوان وفي مواجهة دكان المرحوم (حمزة الخير) كان هناك الترزي الأفرنجي المرحوم (عبدالله صديق) .. كان أنيقاً ومثقفاً وظريفاً ، لكنه هاجر إلى (المملكة العربية السعودية) وتوفي بمدينة (جدة).
وبالقرب من مطعم (نجمة البحر الأحمر) كان هناك ترزية من الأحباش يخيطون الملابس في منزل كتبوا عليه من الخارج ببوهية حمراء : (الترزي داخل الحوش).
ولاعب القاش المشهور المرحوم (عبد اللطيف صغيرون) شقيق الفنان (ابراهيم حسين) كان يقوم بالتفصيل والخياطة في برندة (باتا) الواقعة جنوب قهوة سمارة (سابقاً) بالقرب من الطبالي القديمة وموقف (البص السريع الجديد) سابقاً. وإضافة للخياطة والتفصيل كان (صغيرون) أيضاً يغني في الحفلات في كسلا.
ومن ترزية البدل الترزي (محمد شاكر) وهو من أبناء أم درمان .. كان يفصل البدل وكان يعمل معه (كوداي) في البرندة المقابلة لدكان المرحوم (النور حسن تقلاوي) ثم انتقل إلى برندة دكان المرحوم (علي عمر) جنوب الطبالي القديمة وبعدها رجع إلى الخرطوم.
وإبن مدينة الأبيض الترزي (محمد هارون) والذي جاء إلى المدينة في بداية الثمانينات ، ظهرت موهبته في خياطة البناطلين وخاصة بناطلين الشباب في برندة المرحوم (علي عمر). بعدها انتقل إلى (حي البنك) حيث يقوم بتفصيل الأزياء النسائية.
وفي برندة الفوال (أبو ظريفة) كان هناك الترزي الحلنقي الشهير (موسى علي).
وفي محطة (فكي علي) بالميرغنية على الشارع المؤدي للختمية هناك (الجوكري) شقيق الأخ (حسن مصطفى).
كانت أشهر الفساتين النسائية في تلك الفترة هي (الكلوش) ، والمكشكش والماكسي ، وكانت تلك الفساتين تفصل من أقمشة الميديا والتيل والتريفيرا والترين والشفون والجورسي ، أما الفستان المخصص لـ(رقصة العروس) فيفصل من (السيتان). وكان الترزية يستوحون قصات الفساتين من بطلات الأفلام السينمائية مثل : (فاتن حمامة) و(نجلاء فتحي) و(نبيلة عبيد) و(ميرفت أمين) وغيرهن.
أشهر الترزية الستاتية :
في سوق كسلا الكبير جنوب سوق النسوان كان الشيخ (مجذوب حاج سعيد) من كبار الترزية الستاتية قبل أن يتفرغ إلى العمل الدعوي في مسجده المعروف بحي الترعة جوار المدرسة الصناعية ، بعده امتهن ابنه المرحوم ( قمر مجذوب ) لاعب الجسر السابق المهنة وبرع فيها ، وقبل وفاته كان يفصل الفساتين في دكان بمنزل المرحوم (حسن الساعاتي) في شارع الدكاترة بحي الجسر.
وفي السوق أيضاً كان هناك الترزي (عبد الباسط عثمان) بالقرب من دكان التاجر (ابراهيم طلب) في نفس الشارع الذي يقع فيه دكان الترزي عثمان عبد الباقي.
و في برندة دكان المرحوم حمزة الخير كان (علي زكو) ، ويقال أنه أفضل من فصل الملابس الستاتية في كسلا ، وقد عمل معه إبن أخيه (علي بوكو) والذي كان يجيد الغناء والعزف مع إجادته للخياطة ، وقد فصّل ملابس للرئيس الراحل (نميري) في مدينة (جبيت) قبل أن يعمل في كسلا مع (علي زكو).
عمل مع (علي زكو) أيضاً (يوسف عبد الله العوض) وجنابو (صديق جعفر) والذي كان عصامياً مكافحاً حتى دخل الشرطة وبلغ مراتب عليا فيها.
وفي برندة الهندي (نتو) ، بالقرب من عمارة العمدة حالياً (توتو كورة سابقاً) كان هناك إبن الميرغنية الترزي القبطي (أسعد أديب) والذي انتقل إلى الخرطوم وعمل في تجارة السيراميك.
وفي حي الجسر كان دكان الترزي (عوض أبشر) في منزل المرحوم (الطيب أحمد عثمان) في البقالة التي يشغلها حالياً (عادل محمد أحمد وقيع الله) المعروف بعادل الجعلي أمام عيادة أخصائي الأطفال الدكتور (محجوب علي آدم).
وفي حي الميرغنية كان عبد القادر الجبرتي (قدورة) .. يخيط الفساتين النسائية بالقرب منزل الصائغ أحمد عيسى دبلوب ، ولا يزال يمارس المهنة حتى الآن.
هناك أيضاً (الطاهر صغير) بموتره الفيسبا ، وهو شقيق لاعب الشباب السابق (بدي) ، ومكانه جوار المركز العام للحزب الإتحادي الديمقراطي.
وبالطبالي الجديدة (سوق البصل سابقاً) شرق المجلس البلدي ، كان هناك الترزي (محمد زكريا) يفصل الملابس الرجالية والنسائية ، لكنه يميل إلى تفصيل الأزياء النسائية.
أما في حي المربعات فقد إشتهر الترزي (عبد الله) ، وهو من قبيلة البني عامر ولا يزال يمارس المهنة جنوب منزل المرحوم (خلف الله قمش) بشارع الوالي بالقرب من مدرسة المزاد.
في كسلا يرقد السيد (الحسن أب جلابية) وفيها لبس الناس الجلابية مع الطاقية والعمة والمركوب .. غنت البنات للجلابية فكانت : (الجلابية بيضاء مكوية) ، وغنن للطاقية فكانت : (الحمرة طاقيتو .. عاجباني مشيتو).
لبس الناس في كسلا جلاليب (المنديل) و(السكروتة) و(على الله) .. ولبس الأنصار منهم (جناح أم جكو) ولبس الختمية جلاليبهم ذات اللياقات الصغيرة ، لكن أكثر الناس كانوا يرتدون الجلابية البلدية العادية بلونيها الأبيض والبيج يزينها عمود الجلابية .
من أشهر ترزية الجلاليب:
عباس محمد سعد :
من قبيلة الرباطاب وكان يسكن حي الكارة .. إتخذ برندة جدنا المرحوم (البشير وقيع الله) الواقعة غرب أجرخانة كسلا الحديثة (أجزخانة فقيري) – (مطعم البيك حالياً) موقعاً له .
على ماكينة المرحوم عباس علبة (نيفيا) زرقاء لا تفارقه ، ملأها بالتمباك الذي كان يشتريه من عماري (أب شعر) الملاصق لقهوة (ميامي سابقاً) ، في الصف الذي كان يضم مطعم (مرحوم الجاك) و مطعم (مطر) اليماني ودكان عبد الله الحجازي ، شرق المجلس البلدي.
اعتاد المرحوم (عباس) على لبس العراقي البلدي أثناء عمله ، كما اعتاد على ترديد جملته الشهيرة : (لندن قالت) .. يرددها إن أراد أن يحكي قصة أو خبراً . وكان المرحوم عباس كثيراً ما يناكف المرحوم (عبد الرحمن علي أبوكرة) ويلقبه بـ(عِجيّز الحلب) مع أن بشرته داكنة .. كان يناكفه فقد كان صديقاً لوالده المرحوم (علي أبوكرة).
من أبناء المرحوم (عباس) الأخ (كمال عباس) بالهيئة المركزية بكسلا والأخ (ربيع عباس) بالخطوط البحرية سابقاً وبكسلا حالياً ، والأخ (محمد) والذي كان مغترباً بالكويت ثم عاد ليعمل في الشركة الكويتية للدواجن بالخرطوم.
في نفس البرندة التي عمل فيها المرحوم (عباس محمد سعد) كان هناك المرحوم (حامد علي أبوكرة) وهو من أبناء حي الجسر وشقيق الأخ (عبد الحفيظ أبوكرة) ، والمراحيم : (محمد) حارس مرمى فريق الجسر سابقاً و(سليمان) و(عبدالرحمن) و(عبد المنعم).
في تلك البرندة عمل أيضاً الترزي ذو الوجه الصبوح (عبد الله سالم ) في الجهة اليمنى من دكان (البخيت سيد أحمد) ، وفي الجهة اليسرى كان هناك المرحوم (حسن الساعاتي) يصلح الساعات في (بترينة) كتب عليها : (كن مع الله ولا تبالي).
ولـ(عبد الله سالم) موقف طريف مع إمام الجامع الكبير المرحوم (إبراهيم أشقر).
يحكي ابن عمتي (علي البشير وقيع الله) أن عبد الله سالم كان يأتي متأخراً لصلاة الظهر ويقوم بإمامة المتأخرين عن الصلاة حتى لقب بـ(إمام المتأخرين) . وكانت الصلاة تقام عند الواحدة ظهراً . وصدف أن تم تغيير موعد الصلاة إلى الواحدة والربع ، فالتفت الشيخ (ابراهيم أشقر) إلى (عبدالله سالم) وقال له مداعباً : الصلاة أخرناها عشانك لكن عارفك برضو بكره حا تجي متأخر .. وقد كان.
وفي البرندة المقابلة لعبد الله سالم (برندة دكان جدنا المرحوم حامد عبد الرحيم) وهي البرندة التي تضم دكان المرحوم (مبارك محمد أحمد) ودكان (أبو العلا) للتصوير الفوتغرافي ، وأستديو التصوير الفوتغرافي أيضاً لصاحبه لاعب الميرغني السابق الحريف (إستابرو) القادم من اليونان ، كان هناك الترزي (التوم) والذي عمل فيما بعد حارساً بوزارة الشباب والرياضة .
وفي نفس البرندة كان هناك الترزي (عثمان قسم السيد) والذي اشتهر بجملة : (ينعل أبو القطر الجابك) إن أراد أن يسب أحداً.
في تلك البرندة ذاتها ، حدثت طرفة للترزي (النيل) .. ذهب إليه أحد أبناء الجسر ذوي الرؤوس الكبيرة وطلب منه خياطة جلابية مدورة بلا زراير . أخذ (النيل) مقاسات الرأس الكبير وفصل عليه الجلابية ، ولكن عندما ارتدى الزبون جلابيته وجد أن رقبتها تصل إلى حدود بطنه .. وهاك يا (شَمَطة).
وفي البرندة الواقعة غرب دكان النور حسن تقلاوي هناك الترزي (آدم فضل المولى) ، وبجانبه منجدي المراتب المرحوم (باجابر) والمرحوم (باب الله) وهما من قبيلة الهوسا . وبجوار (آدم) أيضاً كان الترزي المرحوم (الرضي عبد الصادق) والذي كان يقوم بحراسة باب (الشعب) بسينما كسلا الوطنية عند المساء.
وبجانب (أجزخانة كسلا) لصاحبها عبد الله الحسن والمعروفة أيضاً بـ(أجزخانة عروة) جنوب (عمارة العمدة حالياً) كان المرحوم الترزي (عثمان) يخيط الجلاليب والعراريق البلدية .. كان فارع الطول نحيفاً.
هناك أيضاً المرحوم الترزي (مدني) في الجهة الشمالية الغربية من برندة المرحوم (معاذ درويش) وكان يعمل معه (عبد الملك) والذي واصل المهنة بعد وفاة المرحوم (مدني).
وفي برندة الهندي الملاصق لمحلات (إشراقة لصاحبها الطيب الجزولي) من الناحية الشرقية ، غرب (عمارة العمدة) ، كان هناك الترزي (علي دقنة).
وفي برندة (الشايقي) هناك المرحوم (علي الدانكلي) جد ناس (مكرب).
وفي برندة فندق أفريقيا ، شمال دكان الأخ (شهاب درويش) كان الترزي (علي بشيراي) وهو من قرية المحمية بشمال السودان ، ويقال أنه أفضل من فصل الجلاليب بكسلا .
وكان من زبائنه صاحب الإبتسامة التي لا تغيب .. المرحوم (السر حامد عبد الرحيم) .. أكثر من أحب كسلا وأهلها ، وأكثر من أحبته كسلا وأهلها . وفي بورتسودان جمعه الحب أيضاً بأهلها بمختلف أطيافهم : الختمية والأنصار والصوفية مع أنه كان (أنصار سنة) ، وكان منزله في بورتسودان قبلة لكل قادم من كسلا ، ومن أولئك : صديقه المرحوم (أسطى مقر) والمرحوم (رحيمة) و(أحمد الجعلي) و (عمر بانقا) و(عثمان ضرائب) و (التاج بابكر) والمرحوم (كمال فرنيب) وأستاذ اللغة الإنجليزية إبن السوريبة (إبراهيم بابكر رحمة) وأبناء المرحوم (قسم الله تقلاوي) وغيرهم.
ومن ترزية الجلاليب (إسماعيل) من البرنو .. كان محله قبالة قهوة النجيلة (بنك الخرطوم حالياً) ، وبجواره الترزي (آدم كيكي) في تلك البرندة التي امتلأت بالترزية لدرجة أنني كنت أظن أن (أمباي الحبشي) الذي كان يسكن حي الجسر ، ترزي أيضاً مع أنه كان محاسباً في دكاكين الهنود .
ومن ترزية الجلاليب الآخرين (أحمد محمود) وكان يسكن مقابل نقطة أبو خمسة ، وهو والد أستاذ اللغة الانجليزية والترجمة بكلية الآداب جامعة الخرطوم (سابقاً) الدكتور محمد أحمد محمود والموجود حالياً بلندن.
ومن حي الكارة الترزي (عبد القادر البشرى) .. شقيق الأخوان (عبد الله) و(صلاح) والمرحوم (عصام) والأستاذ (عوض البشرى) ، وكان محله أمام دكان والده بشارع المليون بليد بالقرب من دكان المرحوم (الخير عبد الوهاب).
ومن حي الجسر المرحوم الترزي (توفيق) ، وهو والد كل من سائق اللواري الشهير (وبعدها حافلات كسلا القضارف) الأخ (الشيخ توفيق) والمرحوم (هاشم) و(صبري) و(عبد الغفار) الملقب بالزنجي.
ومن ترزية الجلاليب الآخرين هناك المرحوم الترزي (عبد الله) خال الشيخ (مجذوب حاج سعيد) ، والترزية : (لَوَن) و(النذير) و(خليل كشكول) والذي فاز بعربة زين في إحدى المسابقات ، وجميعهم يعملون بجوار الترزي (أحمد أب شنب) في برندة دكاكين المرحوم (التجاني مليح) شرق قهوة عثمان العوض.
إشتهر بعض الترزية بخياطة ملابس الزبيدية ، منهم الترزي (النور علي) والذي افتتح لاحقاً دكاناً لبيع الأقمشة بالقرب من بوتيك الجوهرة قبل إصابته بالعمى وتركه العمل ، و(عبد الله الجهينابي) ، و(فاروق) وهو من أقارب الترزي (عبد الله حسين بامي) ولا يزال يمارس المهنة حتى الآن بسوق الزبيدية في العمارة الواقعة شمال غرب دكان المرحوم (خضر أبو سيف).
أما ترزية سوق غرب القاش فأشهرهم المرحوم (جعفر البدري) جوار مطعم (عيسى جاييك) . والمرحوم (شيبة) والد لاعب القاش (عبد القدوس) جوار دكان (ود الإمام) . والمرحوم (عمر محمود) مقابل دكان المرحوم (يحى علي يحى) ، إضافة إلى (حاج بيلو) جوار (زكريا الحلاق) و (أبكر) جوار الجزارة و(حسين) في برندة (خيارى).
وفي حي غرب القاش هناك ترزي السيدات (رابح حمزة) جوار فرن (موسى أوكير) ، وبالقرب منه الترزي (موسى خواجة) وبجوارهما (جدو حمزة) والذي يمارس المهنة حتى الآن.
وفي حي العمال هناك الترزي (عبد الرحيم) ولا يزال ، يقوم بتفصيل الملابس النسائية بدكان (الحاج العوض) جوار المدرستين.
وفي بانت هناك الترزي (عبد الرحيم كِرم) يمارس المهنة حتى الآن جوار مسجد الختمية ، و (موسى الترزي) جوار مخبز القاضي الشعبي المرحوم (حاج العوض) في آخر محطة ببانت.
في سوق كسلا تباع ملحقات الترزية والتي تعرف بـ(الكُلَف) مثل : الزراير والسُست والزقزاق والخيوط والترتر والقيطان واللستك والإبر العادية وإبر ماكينات الخياطة وابر الكروشي . ومن أشهر التجار الذين عملوا فيها المرحوم (علي عمر) في دكانه في البرندة الواقعة جنوب (بنك الخرطوم حالياً).
والمرحوم (علي عمر) بموتره الفيسبا الأحمر ، هو والد أستاذ طب الأطفال بكلية الطب جامعة الخرطوم البروفيسور العلامة (محمد ابراهيم علي عمر) والذي كان يضع السماعة جانباً ويبيع ملحقات الترزية في دكان والده في الإجازات ، والآن يمارس الأخ (جمال علي عمر) المهنة في دكان والده.
أما الأقمشة فقد كانت تباع في دكان المرحوم (الطيب أحمد عثمان) يبيعها (محمود سراج) ، كما كانت تباع في دكان المرحوم (شعيب) ، وفي دكاكين الهنود : (نتو) و(منو) و(هسو) و(هريلال) و(مهندرا) وغيرهم .
في تلك الدكاكين كانت تباع أجود الخامات من الأقمشة المستوردة من مصر والهند وبريطانيا وتركيا ومن سويسرا والتي اشتهرت بأجود أنواع الثياب النسائية والملايات والعمم والشالات.
أخيراً .. ومع دخول الماركات العالمية وعزوف الناس عن التفصيل وتحول الجيل الجديد إلى قصات (السيستم) والبنطلون الممزق و(أديني حقنة) ، لم يبق لنا إلا أن نتحسر على تلك الأيام.